ملاحظات حول المصطلح : حقيقي*

بقلم الفيلسوف الخالد كارل بوبر

ترجمة الصوت الشيوعي

بصورة عامة ساتجنب اسئلة مثل “ما هذا” ، وحتى “ماذا تعني ب” ، لانها كما تبدو لي معرضة لأن ينتج عنها خطر احلال المشاكل اللفظية (مشاكل حول المعنى) محل مشكلة “حقيقي”. ايضا في هذا الفصل سوف اخرج عن هذه القاعدة(1) وسأناقش بايجاز استعمال او معنى مصطلح “حقيقي” ، الذي استعمل في قسم سابق (حيث قلت بان الذرات تقبل ك “حقيقة” عندما تتوقف عن أن تكون “ذرية

انا افترض أن اغلب الاستعمال الرئيسي لمصطلح “حقيقي” هو استعماله لوصف الأشياء المادية ذات الحجم المألوف – أشياء يستطيع أن يمسكها طفل و (يفضل) أن يضعها في فمه. من هنا ، فأن استعمال مصطلح “حقيقي” قد توسع ، ليشمل ، اولا الأشياء الكبيرة – الأشياء الكبيرة جدا التي لا نستطيع الأمساك بها ، مثل طريق سكة الحديد ، البيوت ، الجبال ، الأرض والنجوم ؛ وايضا الأشياء الأصغر – أشياء مثل حبيبات الغبار او القمل. وتوسع استخدام هذا المصطلح لاحقا ، ليشمل السوائل ومن ثم الى الهواء ، والغازات والجزيئات والذرات

ما هو المبدأ الذي يحكم هذا التوسع في تطبيق مصطلح “حقيقي” ؟ انه ، كما ارى ، قدرة الكينونية على احداث تأثير سببي على الأشياء المادية ذات الحجم المألوف : بحيث نستطيع تفسير التغيرات في عالم الأشياء المادية ذات الحجم المألوف من خلال التأثير السببي للكينونات التي يخمن انها حقيقة

 مع ذلك هناك سؤال آخر حول ما اذا كانت هذه الكينونات ، التي يخمن انها واقع ، حقا موجودة ام لا

كثير من الناس لا يتقبل فكرة وجود الذرات ، لكن وجود الذرات اصبح مقبول بعد ظهور نظرية آينشتاين حول الحركة البراونية. آينشتاين وضع نظرية مختبرة جيدا تقول أن الجسيمات الصغيرة المعلقة في سائل (والتي حركته مرئية بالمايكروسكوب ، وبذلك يكون “حقيقي”) يتحرك بفعل التصادم العشوائي للجزيئات المتحركة للسائل. ومن ثم افترض آينشتاين أن الجزيئات الصغيرة غير المرئية تحدث أثرا سببيا على الأشياء الحقيقية ذات الحجم الصغير جدا لكن ضمن النطاق المألوف. هذا يعطي مبررا لحقيقية الجزيئات ، ومن ثم لحقيقية الذرات

ماخ ، الذي لم يحبذ أن يعمل مع الفرضيات ، اصبح لفترة من الزمن (على الأقل) مقتنع بوجود الذرات من خلال الدليل الملاحظ للتأثيرات الفيزيائية لأنشطارها. اصبح وجود الذرات معرفة عامة عندما سببت الأنشطارات الأصطناعية للذرات دمار مدينتين مأهولتين بالسكان – يقصد مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين – ملاحظة الصوت الشيوعي

مع ذلك ، مسألة قبول مثل هذا الدليل ليست طريق مستقيم. فبينما لا يوجد دليل تجريبي ، فاننا كما يبدو نميل لقبول شيء ما (وجوده مفترض) كما لو انه حقا موجود أن عزز وجوده ؛ مثلا ، من خلال أكتشاف الآثار المتوقعة في حالة كونه حقيقة واقعة. مع ذلك ، ربما نقول أن هذا التعزيز يدل ، اولا ، أن شيء ما هناك ، على الأقل حقيقة أن هذا التعزيز سوف يوضح من خلال أي نظرية مستقبلية. ثانيا ، التعزيز يدل على أن النظرية التي تشتمل على الكينونات الحقيقية المفترضة ربما تكون صحيحة ، او انها ربما تكون قريبة من الصحة (أي انها تمتلك درجة جيدة من الأحتمالية). (ربما أن الحديث عن الصدق او احتمالية النظريات أفضل من الحديث عن وجود الكينونات ، لأن وجود الكينونات هو جزء من نظرية او فرض

اذا وضعنا هذه التحفضات في البال ، عندها لن يكون هناك سبب يمنعنا من أن نقول ، مثلا ، أن الذرات والألكترونات أيضا والجسيمات الأولية الأخرى موجودة حقا ؛ فلنقل ، بسبب تأثيراتها السببية على الطبقات الفوتوغرافية الحساسة. نحن نقبل الأشياء ك “حقائق” اذا كانت تعمل سببيا على ، او تتفاعل مع ، الأشياء المادية الحقيقية المألوفة

لكن على الرغم من ذلك ، يجب التسليم بأن الكينونات الحقيقية يمكن أن تكون حسية او معنوية بدرجات مختلفة. في الفيزياء نحن نقبل القوى و مجالات القوى كحقائق لأنها تفعل على أشياء مادية. لكن هذه الكينونات أكثر معنوية وربما أيضا أكثر افتراضية او نظرية ، من الأشياء المادية المألوفة

القوى ومجالات القوى تضم الى الأشياء المادية ، الى الذرات ، والى الجسيمات. انها ذات صفات للميل : انها تميل لأن تتفاعل. وهكذا ربما توصف بانها كينونات نظرية معنوية لكن رغم ذلك نعتبرها حقائق لأنها تتفاعل مباشرة او غير مباشرة مع الأشياء المادية المألوفة

وللأيجاز ، فاني اتفق مع وجهة نظر الماديين القدامى بأن الأشياء المادية هي واقع ، واتفق معهم حتى في اعتبار الأجسام الصلبة انموذج لما هو حقيقي. واتفق ايضا مع الماديين المعاصرين او الفيزيائيين حول اعتبار القوى ومجالات القوى ، الشحنات ، وما على شاكلتها – والتي هي ، كينونات فيزيائية نظرية غير مادية – أيضا حقائق واقعة

علاوة على ذلك ، على الرغم من اني افترض باننا نأخذ ، في الطفولة المبكرة ، فكرتنا عن الحقيقة الواقعية من خلال الأشياء المادية ، فانا لا اقول بأي معنى أن الأشياء المادية هي “نهائية”. على النقيض من ذلك ، ربما يكتشف أن الأشياء المادية ، خاصة الصلبة منها ، ليست سوى عمليات فيزيائية خاصة جدا ، تلعب فيها القوى الجزيئية دورا رئيسيا

**********************

حقيقي*) او واقعي او حقيقة موضوعية او حقيقة واقعية ملاحظة الصوت الشيوعي

هامش رقم 1) على الرغم من اني هنا اقوم بشيء مشابه ل سؤال ما هذا ، فاني لن اقوم ب تحليل للمعنى. ذلك ان خلف مناقشتي هنا لكلمة حقيقي تكمن نظرية : نظرية أن المادة موجودة ، وأن هذه الحقيقة مهمة بصورة حيوية ، لكن بعض الأشياء الأخرى التي تتفاعل مع المادة ، مثل العقول ، توجد أيضا ؛ أنظر ما سيأتي بعد هذا الهامش – ملاحظة كارل بوبر

——————–

تم ترجمة المخطوطة من كتاب النفس ودماغها لبوبر وأكلس ، الطبعة الانكليزية ، روتليج وكيغن باول ، لندن بوستن ، ملبورن ، هنلي ، 1983 ، ص 9 – 10

التلوين باللون الأحمر والخط المائل والعريض من الصوت الشيوعي وليس من كارل بوبر